ميديا وفنون

خالد الهبر يُعلِنها ثورة: “بدّي إحكي”

لا يمكن اعتبار “بدّي إحكي” مجرّد أغنية جديدة في رصيد الفنان المعروف خالد الهبر. العمل الذي جاء أشبه بنشيدٍ ثوري بكل ما للكلمة من معنى يقلب الطاولة ليس فقط على الفساد والفاسدين في البلد، وإنما على رؤوس كل “الوسَطيين” الذين يتمرّغون في المسافات الرمادية الممتدّة ما بين الحق والباطل.
فمن على يمين القضايا المُحقّة يقف اليساري العتيق ليعبّر في أغنيته الجديدة عن انحيازه التام للإنسان وللقضايا التي لطالما شغلته وشكّلت ركيزة أغنياته، وأهمّها العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية. لا يتوقف الهبر عند طائفة أو دين بل يجتاز بكلماته كل المتاريس الوهمية التي تفصل ما بين الانسان وحقوقه الأساسية سواء أبُنيَت بذريعة الخصوصية الطائفية أو حتى لحماية السِلم الأهلي.

هكذا ينسف الهبر في أغنيته الأوهام الجماعية وهماً وهماً ويصفّي المظالم التي يتعرّض لها “الإنسان بلبنان” كقنّاص بارعٍ يصوّب على المفاهيم الخاطئة فيصيبها في الصميم الواحدة تلو الأخرى. لا يجد نفسه قادراً على السكوت عن الظلم ويقولها بالمفم الملآن “وبدَّك ياني إبقى ساكت إتكيَّف مع الموجود؟”.
ففي هذه الأغنية التي كتب كلماتها ولحّنها بنفسه فيما تولّى نجله ريان الهبر توزيعها، يسجّل خالد الهبر عودةً مدوية الى استوديوهات التّسجيل بعد غيابٍ عنها دام 12 عاماً.

يعود ليحمل صوت المعدومين والمنسيين والمُستضعفين. يبدأ من طوابير الفقراء أمام مداخل المستشفيات، يتوقّف لحظةً ليترحَّم على الكرامة المشروطة في “البلد القدير” ثم يعرّج على البحر في لبنان فالبحر عندنا “بينشرى سرقة ونصب وسمسرة”.

كبنّاءٍ ماهر يرصف الهبر في أغنيته القضايا الاجتماعية الواحدة تلو الاخرى ليشيّد بها وطناً يحترم كرامة الإنسان ويضمن له حقوقاً موحّدةً مهما اختلفت انتماءاته الدينية والجنسية والاجتماعية.
في عنوان أغنيته يعلن نيّنه صراحةً “بدّي إحكي” وينفّذ وعده حرفياً فلا يوفّر قضيّةً إلا ويرفع الصوت فيها. من الأملاك البحرية المستباحة الى الكرامة الانسانية المسحولة ينتقل الى القوانين المفصّلة على مقاس الطوائف ثم يمرّ على أوراق المحاكم الدينية التي تتخطّى ورقة الدستور اللبناني. يتحدّث عن منع الحفلات في بلد الحريّات ثم حقوق المرأة المعنَّفة ولا ينسى العاملات الأجنبيات وحكايات الذلّ التي تبقى أسيرةً خلف جدران المنازل أو تستحيل قضية انتحار معلّقة من الشرفات.
يمرّ على المآسي، يزورها بيتاً بيتاً وحجراً حجراً كأنه استغرق في كتابة هذه الأغنية 12 عاماً أو حتى مئويةً. يتزامن طرحها هذا العام مع مئوية لبنان الكبير المتخبّط في الفساد والانهيارات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية. وتأتي ولادة هذه الأغنية في 26 الجاري بعد يومٍ واحد من اليوم العالمي للقضاء على العنف ضدّ المرأة وتزامناً مع انطلاق حملة ال 16 يوماً لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي. يثبت خالد الهبر من خلالها انه ابن زمنه وصوت ضميره.

وفيما ثار عددٌ لا بأس به من الفنانين أمام الميكروفونات وعلى مرأى من عدسات الكاميرا، حفظ خالد الهبر ثورته في قلبه وضبط إيقاعها على وقع هدير أصوات الشباب اللبناني المُطالِب بالتغيير في الشوارع. لم يقف على منصّة أو يحتَج الى مكبّرات للصوت، فصوت أغنياته التي حملتها حناجر الشباب الثائر يعرف دوماً طريقه الى الضمائر. و”بدّي إحكي” ليست سوى صرخة ضمير لا بل إنها مانيفستو ثوري على أبواب تشرين!

 

 

 

 

 

رنا أسطيح

صحافية لبنانية، كتبت في شؤون الفن والمجتمع والثقافة في عدد من الصحف اللبنانية والعربية. قدّمت برامج إذاعية وقامت بإعداد العديد من البرامج الفنية والاجتماعية في أكثر من محطة تلفزيونية.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى